آسرة هي سير المعارضين لأنظمة القمع، والمنادين بالحرية.. غاندي، جيفارا، مانديلا، وغيرهم الكثير.. تعجب بصمودهم ومقدرتهم على تحويل أحلامهم إلى حقائق، فلا يوجد أسمى من أفكار ومبادئ، يقضي الواحد عمره داعيا لها، ومحاولا تحقيقها..
لكن في غمرة الإعجاب بالمناضليين الحقيقيين، تظهر بعض الطفيليات التي تلبس ثوب المعارضة، من أجل تحقيق أهداف ذاتية، والمؤسف أن هؤلاء قد يصعب اكتشافهم، لأن كلامهم يشبه كلام الثوريين، واحلامهم - كما يحدثوننا عنها - تنحصر في تحقيق العدالة والمساواة بين الناس كافة، لكن قلوبهم تنطوي على غير ما تنطق به ألسنتهم، وعقولهم مشغولة بتحقيق مصالحهم؛ فيتخذون من المعارضة طريقا إلى حين يأتي الفرج، ويتحقق المراد..
ترى الجماهير في المعارض صورة البطل ومشروع الشهيد، وترى فيه السلطة صوتا نشازا يجب إسكاته بأي ثمن، وهذا الثمن هو ما يسعى إليه كل الواضعين لقناع المعارضة؛ فيبدأون حياتهم الفكرية ومشوارهم المهني معارضين ومهاجمين لكل ما تمثله السلطة، ثم ينتهى بهم الحال وهم شديدو الولاء والتأييد لمن كانوا يعارضونهم.. فلبسوا ثوب المعارضة لتحقيق أهداف خاصة بهم، فهم يعلمون أن العالم لم يعد كما كان سابقا، عندما كانت الدولة تعتقل معارضيها، حتى وإن كانوا من المشاهير، فلا يدري عامة الناس عنهم شيئا، فالوضع تغير الآن، وما يحدث فيه شرق الأرض، يراه الناس في غربها وبنفس التوقيت، ولأن واضع قناع المعارضة اكتسب مؤيدين له، فعلم أن السلطات ستتعامل معه من منطلق الترغيب "وهو ما يريده" وليس من منطلق الترهيب "وهو ما قد يفيده"، لأنه حتى وإن تعرض لبعض الترهيب، فقليل من الصبر سيحقق له أحلامه، وتدرك السلطات أن الترغيب أولى وأصلح مع هذه النوعية، كما أن في الترغيب فائدة للطرفين "السلطة والمعارض"، فيحقق المعارض ما كان يسعى إليه من منصب ذي وجاهة اجتماعية، وعلاقات رفيعة المستوى، وأموال من أي طريق، وربما عضوية في المجالس البرلمانية، وتكسب السلطة مسخا آخر يجلس بجانب اخوانه، وتتحول أحاديث المعارض وكتاباته، شيئا فشيئا، إلى النقيض مما عهده الناس عنه..
ويبدو أن ظاهرة "المعارضة لحين ميسرة" تكتسب لها المزيد من الأنصار، فبعض القنوات الفضائية والمؤسسات الإعلامية، التي كرّست نفسها لانتقاد ومهاجمة دول بعينها، بدعوى محاربة الفساد وانتصارا لحقوق الإنسان فيها، تتراجع عن مواقفها، رغم ثبات الأحوال في هذه الدول، وربما تدهورها..
ما الذي حدث؟ إنها مسألة مصالح، فقد افتُتح مكتب هنا أو هناك.. وتدفقت إعلانات من مؤسسات حكومية على هذه القنوات.. وحدث تبادل في المنافع، تبعه تغير في المواقف، ولتذهب الحريات وحقوق الإنسان ومناهضة القمع وكل المبادئ والقيم التي كانوا ينادون بها إلى الجحيم.. فبالنسبة لهم انتهى زمن النقد والمعارضة، فقد كانت فقط، معارضة لحين ميسرة.